الجانب العاطـفي للبيئات التعلمية الذکية

نوع المستند : أوراق بحثية محکمة.

المؤلف

أستاذ ورئيس قسم تکنولوجيا التعليم بکلية التربية جامعة حلوان (حالياً) ووکيل شئون التعليم وقائم بالعمادة (سابقاً)


مقدمة

يمثل الوجدان کافة العواطف والانفعالات التي قد يکون سببها غامضاً وغير واضح بسبب اختلاف البعض في تحديد مصادرها، إلا ان هذا الوجدان يمثل دورا مهما في حياة الفرد والجماعة بل ويغير الکثير من المقاصد والاحکام نحو کثير من الاشياء. وعلى الرغم من أن مجالي العقل والبدن تناول کثير من جوانب النفس منذ عقود طويلة، إلا أن المجال الوجداني لم يسلط عليه الضوء إلا في السنوات الأخيرة. وخاصة في العالم العربي، فما زالت الدراسات الوجدانية في بداياتها.

ولذا فما ذالت معايير الوجدان قليلة الاستخدام في تصميم البيئات الالکترونية، على الرغم من انها من أهم ما  يتأثر فيه المستخدم عند تفاعله مع واقع البيئة الإلکترونية، إذ يشتمل على مجموع الأحاسيس والانفعالات والعواطف والاتجاهات والميول التي يتفاعل معها أو يَتَأَثَّرُ بِهِا داخل هذه البيئة، سواء حملت حب أو کراهية أو تعاطف أو لَذَّةٍ أَوْ أَلَم أو نفور، إلى آخره من أحاسيس إنســـانية مجتمعة أو متفرقة عند التفاعل مع هذه البيئة.

کما تشکل "العواطف الإنسانية" بشکل عام - کجزء من هذا الوجدان - عاملاً مؤثرا في تحديد طرق استقبالنا للأشياء والتفاعل معها وفي تحديد سلوکنا تجاه هذه البيئة التعليمية حقيقية أو الافتراضية.

ومن هنا تأتي أهمية دراسة انعکاسات العواطف الانسانية عند تصميم البيئات الافتراضية الذکية؛ لما تحمله بداخلها من عناصر متعددة وحساسة وذکية ومرجعية.

وهذا يتفق مع ما يراه الکثيرون بأن "العواطف هي الاساس في کل ما نقترب منه أو نبتعد عنه، فمثلا في شراء الناس لمنتجات قد لا يحتاجونها أو يرغبون فيها، حيث أن الأسباب دائماً ثانوية في اتخاذ القرار؛ بل وفي التعامل مع من حولنا من بيئات؛ ومنها البيئات الالکترونية"، مما جعلنا نعيد توظيف الجانب العاطفي عند تصميم البيئات التعليمية الافتراضية الذکية، کي نخرج هذه البيئات من فجوة الجفاء الناتج عن الذکاء الاصطناعي؛ لترتدي ثوب إرضاء المتعلمين لتحقق أهدافهم التربوية، دون اغفال لعواطفهم ورغباتهم.

وفي هذا الصدد رأى "سلومان" Sloman, 1981, 12)) أن "العواطف عامل جوهري لمساعدة الشخص في تحديد الظروف والتعامل معها ومواجهتها وتحديد الخيارات المتاحة. کما أعتبر "تان" (Tan, Ed S., 1996, p.12) العاطفة بأنها "تغيير في الاستعداد للفعل نتيجة لتقييم ذاتي للحالة أو الحدث". فمثلا بعض البيئات التعليمية الافتراضية قد تزودنا بمتعة أکثر من غيرها عند التفاعل مع عناصرها، وهذا ربما السبب في تفضيل المستخدمين لعدد من البيئات الإلکترونية، لأنها تثير اهتمامهم أکثر من غيرها، حتى لو حملت محتوى أقـل فائدة لهم.

وفي هذا الصدد حدد "اورتوني وزملاءه (Ortony et.al, 1988,24) ثلاثة أنواع من الاهتمامات العاطفية في علم النماذج الشخصية قد تصلح للبيئات الافتراضية الذکية؛ هي: الأهداف goals والمعايير Standards والمواقف Attitudes:

-       الأهداف؛ وتعني الترابط بالحدث من خلال عدد من المهام التي يرغب المتعلم تحقيقها، وغالبا ما تکون مرتبة وفقاً لنظام معين من البسيط الى المعقد.

-       المعايير؛ وتشتمل على القواعد والاسس والاتفاقيات لکيفية التفکير وتحقيق الأداء عند تحقيق الأهداف الفرعية، بحيث نتفق مع تلک المهام التي تتناسب مع المعايير ولا نتفق مع تلک التي لا تتناسب معها. والمعايير التي نمتلکها لا تتعلق بأفعال الأنسان فقط؛ ولکنها أيضا تتجاوزه إلى المنتجات. فمثلا يجب أن تکون البيئات الإلکترونية محل اهتمامنا وتتفق مع معتقداتنا وعاداتنا.

-       المواقف؛ ذات العلاقة بالأشياء، وهي تمثل نزعة الولع أو التعلق أو عدمه بأشياء محددة. فهناک نزعة عاطفية تجاه نوع المنتج (انا أحب الصفحات الإلکترونية الرياضية) وتجاه خصائص المنتج (انا أفضل العرض ثلاثي الابعاد) وتجاه الاسلوب (أنا أفضل عروض الفيديو والرسومات المتحرکة) مما سيزيد من الاتجاه الإيجابي للتفاعل مع هذه البيئة الافتراضية ومن ثم تجاه محتواها التعليمي.

ومع ذلک فإن تطابق الرسائل مع مستويات تقبل الناس وتوقعاتهم، وأن يقوم التصميم على فهم احتياجات المستخدمين وتوجهاتهم الثقافية بشکل جيد؛ ســــــيسهم في إيجاد حوار مع المستخدم ويساعد على تحديد الدور الذي يلعبه المحتوى داخل هذه الصفحة الالکترونية لتحقيق الأهداف والمعايير وتدعمه في تقوية موقفه.

وهنا يرى "باتريک" Patrick W. Jordan أن المنتجات التي تثير استجابة عاطفية إيجابية غالبا ما تجتاز حجم التوقعات لإقبال المستخدم عليها. ولذا فهناک عدة مستويات للمتعة يسببها الاقبال على المنتج، حيث يمکن أن تحدد في سياق الربط العاطفي والمتعة والفائدة العملية من المنتجات، وهذه خطوة متقدمة في ترتيب الاحتياجات وهي (الوظيفة – الاستخدام – المتعة).

وفي نفس الاتجاه اقترح "باتريک"Patrick W. Jordan أربع أنواع من المتعة نتيجة للعلاقات والتفاعل بين الفرد والمنتج هي: فيسيولوجية وسيکولوجية واجتماعية وأيديولوجية. حيث تمثل الأعضاء الحسية؛ مصدر المتع الفيزيولوجية المرتبطة باللمس والذوق والشم، وأن المتعة السيکولوجية تأتي من ردود الافعال المعرفية والعاطفية إضافة إلى تحقيق الهدف والمرتبط بمدى مساعدة الشيء على تحقيق الهدف. والمتعة الاجتماعية هي نتيجة للتفاعل الاجتماعي مثل المکانة التي يحتلها أو يفرضها المنتج أو دوره في التفاعل الاجتماعي. أما المتعة الأيديولوجية فتهتم بقيم الناس ويمکن أن تتعلق بجماليات المنتج أو القيم التي يجسدها Patrick Jordan, 2000, 32)).

في ضوء ما سبق فالتصميم العاطفي للبيئات الذکية کتوجه إيجابي جاء من أجل السيطرة على وجدان المستخدم وتحريک سلوکه الفاعل نحو عنصر ما داخل هذه البيئات التعليمية، ويجب أن يتم ذلک بشکل مسبق ومخطط لخلق مجموعة من المشاعر مثل (الاستمتاع-الاندهاش -الإعجاب-- السعادة - الحزن-الإحباط -الرغبة– الخجل)، خاصة عندما يقترن الامر بجذبه لمساعده على التوغل داخل هذه البيئة لتحقيق اهداف محددة، وقد وضع الباحث تصور لنموذج عاطفي معرفي للتعلم من الوسائط الذکية (ICALM) Cognitive-affective Modell of learning with Intelligent media (CAMLIM) ، يمکن الرجوع اليه في دراسة سابقة للباحث (خالد فرجون، 2019).

وهذا ربما يجعلنا نسأل أنفسنا کثيرا؛ بصفة عامة لماذا نحب أشياء من أول وهلة أو نکره أشياء اخرى؟ وبصفة خاصة لماذا نُقبل على بيئات الکترونية بمجرد ظهورها دون غيرها؟ حتى الان لم نصل لإجابة مقنعة، لکن عندما يقترن الامر بالتصميم داخل البيئات التعليمية يصبح هناک ضرورة للبحث؛ لان نجاح تصميم هذه البيئات يعني إقبال المتعلمين على محتواها؛ خاصة في ظل التطورات الأخيرة في المثيرات الافتراضية المرئية والسمعية واللمسية والتي بدت واضحة مع الثورة الصناعية الرابعة Fourth Industrial Revolution والتي تحمل معها کثير من أنماط الاثارة القائمة على الأنظمة الحساسة الذکية التي توظف أحيانا المتعلم وتعتبره جزء من منظومة ذکية متکاملة مما تجعله يستفيد ممن حوله من عناصر هذه البيئة ؛ بل ويصبح هو الاخر جزء من هذه المنظومة، وهذا ربما يصلنا الى علاقة ذلک بالإقبال الملحوظ من الأطفال والشباب على مواقع التسلية عبر الانترنت ، مما يستلزم الوقوف لدراسة هذا الجانب الهام في التصميم التعليمي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعاطفة المقترنة بکل مناحي حکمنا على الاشياء، وربما نتوقف کثيراً ايضاً عند المثل القائل: “لا تحکم على الأشياء من مظهرها”.؛ ونعتقد ان حکمنا على الناس والأشياء؛ خاصة البيئات التعليمية الالکترونية؛ أصبح يعتمد کثيرا على المظهر الخارجي بسبب التصميم العاطفي، وربما يکون سبب رئيسي ايضاً لإقبال أکثر المتعلمين على الصفحات الالکترونية لبعض الجامعات دون غيرها.

وما يشغلنا عند تصميم البيئات التعليمية الافتراضية الذکية، کمنتج تعليمي، الدور الأکبر لتحقيق الجانب العاطفي في حياة البشر، على اعتبار أن الانسان ليس مرکباً آلياً يتحرک بسبب الاثارة أو بالأحرى الحرکات الخارجية، کما هو شأن کل جسم مادي لا يملک الحيوية الذاتية، والاندفاع الذاتي، وليس الانسان کذلک کائناً عقلياً صرفاً يعقل، فيتحرک بسبب رؤيته العقلية فقط، ويتصرف بإرادة محضة لا يشارکها حب، ولا بغض، ولا غضب، ولا سرور.. ليس الانسان کذلک ولا يمکن ان يکون کذلک. وهذا السبب في نجاح دور الذکاء العاطفي في الکثير من الميادين، ولذا تشکل فکرة الکمبيوتر الذکي العاطفي أو تصميم البيئات الذکية الخالية من الجانب العاطفي، تهديدًا وليس رؤية متفائلة، بل يعتقد البعض أن الذکاء الاصطناعي فشل في أداء دوره عندما غاب عنه هذا الجانب، خاصة أنه المحرک الاکبر لمعظم سلوکنا في معظم الثقافات وبالتحديد؛ المجتمعات الشرقية، وليس هناک صدفة؛ فهذا المفهوم يحمل سحرًا غريبًا لنجاح مهام المتعلم في المجالات المختلفة، مما سيمثل طفره هائلة في تعظيم دور الکمبيوتر الذکي وإنتاج البيئات التعليمية الذکية.

وحتى يحقق مجال الکمبيوتر دوره الفعال وخاصة في ظل الثورة الصناعية الرابعة؛ يجب تزويده بأنظمة رقمية حساسة قائمة على دراسة نظريات العاطفية بحيث يتصرف بذکاء عاطفي يتناسب مع الطبيعة البشرية ولکن بسرعة ودقة وموضوعية، وأن يدعم داخله بأنظمة تساعد البيئات الافتراضية من خلال عناصر منها "الوکيل التربوي الذکي" ليساعد المتعلم على التفاعل وفق احتياجاته العاطفية ؛ لا المعرفية فقط ، بل ويختار أهم الاحداث والمواقف المحببة لديه ، کما تمهد له التأثير على معالجة المعرفة وفق ميوله ورغباته؛ من منطلق أن حالته الداخلية والعقلية والعاطفية؛ مرشد لتحقيق أهدافه داخل هذه البيئة الافتراضية.

متطلبات التصميم العاطفي داخل البيئات الالکترونية الذکية

الاهتمام بالموقف

يوصف الاهتمام بالموقف على أنه استجابة عاطفية فورية لمحفزات وظروف معينة تنشأ من بيئة التعلم، وهي استجابة قد تکون محسوسة للاحظة أو دائمة، وتوجه انتباه المتعلمين إلى المهمة المطلوب تحقيقها، ويختلف الاهتمام بالموقف عن الاهتمام الفردي للمتعلم، الذي يصف رغبتهم الذاتية وميلهم للانخراط في موضوع معين أو نشاط معين مع مرور الوقت. ولذا فالاهتمام بالموقف مهم في تنمية الاهتمام الفردي                  (Hidi & Renninger, 2006, 23) وقد وجدنا دليلًا على أن عدد عناصر التصميم المختلفة لبيئات التعلم غير التفاعلية، مثل ألعاب التعلم، يمکن أن تؤثر على المتعلم. من بينها ميکانيکا اللعبة، والوضع الاجتماعي للعب، واستخدام المحفزات التعليمية.

توجيه نشاط الوکلاء التربويين

وفقا لمبدأ النشاط الموجه للبيئات التعلم التفاعلية، فإن "الطلاب يتعلمون بشکل أفضل عندما يتفاعل معهم الوکيل التربوي بصورة وجدانية عندما يوجهوا للعمليات المعرفية" (Moreno, R., & Mayer, R. 2007, 315).

ومن ثم يلعب الوکلاء التربويون المتحرکون أدوارًا تعليمية لدعم الجوانب الاجتماعية المعرفية للتعلم داخل البيئات الافتراضية؛ ويمکن أن تتبع الاتفاقيات الاجتماعية؛ وتقديم استجابات متعاطفة للمتعلمين (Hayes-Roth & Doyle, 1998, 195-230). ويتم تقديم هذه العوامل بصريًا، وغالبًا من خلال تلميحات سمعية (کلامية) اختيارية. وبالنظر إلى الترابط المتأصل بين الإدراک والعاطفة Lewis, M. D. (2005)، (Tucker, D. M. (2007)  وتطبيق رؤى من التصميم العاطفي لهذه البيئات يمکن استنتاج نتيجة طبيعية لهذا المبدأ في التصميم العاطفي. أي أنه من المحتمل أن يتعلم الطلاب بشکل أفضل عند تفاعلهم مع والوکيل التربوي الذي يساعد على التنظيم الذاتي العاطفي للمتعلم، خاصة إذا کان هناک تشابه في الشکل والصفات بين الوکيل وشخص محبوب لدى هؤلاء المتعلمين، وهنا يأتي دور استخدام تکنولوجيا Real sense حيث لا تقوم المعلمة الماهرة بضبط تعبيراتها العاطفية فحسب، بل أيضًا بضبط محتوى تعليمها. وقد حدثت تطورات واعدة في مجال الکمبيوتر العاطفي، والتي تشير إلى وجود تفاعلات ذکية بين الإنسان والحاسوب (HCI). من خلال البيئات التعليمية الذکية، والتي تعد من الضروريات في البيئات التعليمية الافتراضية.

وقد أظهرت الأبحاث أن الوکلاء التربويين المصممين بالرسوم المتحرکة يمکن أن يزيدوا من الدافع العاطفية للمتعلم نحوي البيئة التعليمية (Moreno, R. & at al., 2001, 177-213) ، بل وينتج عنهم فائدة أعلى تقليل صعوبة المحتوى التعليمي. فعندما يحثون الوکلاء التربويون على التفاعل والمشارکة، فإن لديهم ارتباطات إيجابية مع التعلم، ولکن عندما يحثون على الملل، فإن العلاقة تکون سلبية وتحفز المواد التعليمية حالة من عدم التوازن المعرفي لدى المتعلمين، والتي يمکن أن تکون نتيجة للعقبات التي تعترض أهدافهم وانقطاعاتهم وحالات الشذوذ وما شابه ذلک.

مستويات الروابط العاطفية لعناصر البيئات الافتراضية:

حـــدد "دونالد نورمان" Donald A. Norman "مفهوم التصميم العاطفي في کتابه عام 2004 Emotional Design حيث شرح الأسباب التي تدفعنا إلى محبة (أو کره) الأشخاص أو الاشياء التي نقابلها في حياتنا اليومية. وأشار أن التصميم العاطفي يسعى إلى إنشاء تصميمات تثير المشاعر المناسبة، من أجل خلق تجربة إيجابية للمستخدم، ومن هنا؛ فکر المصممون في الاتصالات التي يمکن أن تتشکل بين المستخدمين والکائنات التي يتفاعلون معها داخل هذه البيئات ومنها الوکلاء الافتراضيون ، وبين العواطف التي يمکن أن تنشأ منهم اثناء التفاعل، وکيف يمکن أن تؤثر أنماط هذه المشاعر التي يثيرها التصميم بشدة على تصوراتهم نحو هذه البيئات بالرضا أو ربما بالعزوف عنها، مما دع المصممون لمعرفة مستويات هذه الروابط العاطفية مع عناصر هذه البيئات وخاصة للوکلاء التربويين داخلها ، وقد حددوها في ثلاثة مستويات هي: مستوى التعمق Visceral   والمستوى السلوکي  Behavioral ومستوى الانعکاس  reflective؛ ومنها وجب على مصمم البيئات التعليمية أن يتعامل مع القدرة المعرفية البشرية في کل مستوى بهدف إثارة المشاعر المناسبة لهذا المستوى حتى يتيح للمتعلم تجربة إيجابية؛ تضمن له مشاعر توحي بالمتعة والثقة أو ربما سلبية کالخوف والقلق، وهذا غالبا ما يعتمد على السياق داخل هذه البيئات.

وفيما يتعلق بالتصميم العاطفي المتعمق وهو المرتبط بالفعل الأولى الذي يواجه المتلقي في الواجهة، حيث يتعامل بشکل أساسي مع الجمال والجودة المدرکة للشکل والمظهر، ولذا فجذب الحواس هنا وخاصة البصرية؛ يعد ضرورة لتدعيم ردود الفعل الداخلية له. لهذا السبب من المهم أن يأخذ المصممين التعليمين في الحسبان العامل الجمالي کوهلة أولى للمتلقي عند طرح تصميماتهم للبيئة وللوکيل الذکي داخلها.

واستناداً إلى "دونالد نورمان"  (Donald A. Norman, 2004) ، فإن المستوى العاطفي المتعمق يتعلق بفکرة الغريزة،  وهي العلاقة الأولى التي نکوّنها مع أي بيئة حقيقية أو افتراضية باعتبارها في النهاية منتَج أمامنا، فالمشاعر الأولية التي تنشأ عندما نتواصل مع الوکيل التربوي کشيء جديد غالبا ما تؤثر فينا بدرجة کبيرة عند الحکم على الأشياء، بل وأن تغيريها يتطلب مجهوداً کبير يعجز عنه کثير من الناس؛ وذلک لکونه تفاعلاً عاطفياً أولياً، لا يکون ملحوظاً بشکل واعٍ ولا يمکن التحکم فيه، کما يلاحظ في هذا المستوى ايضاً تأثير الصيغة التي قدمت بها هذه البيئة من الألوان، الحواف والتباينات، إذ تمثل عوامل جوهرية غاية في الاهمية، وهنا تمثل الألوان الأکثر تألقاً وسطوعاً مثلاً، المُشبعة والمائلة إلى إثارة؛ الى مزيد من الانتباه والرغبة في الاستمرار، بعکس الاشکال غير المنظمة الملونة بالوان باهتة، غير محددة  الحواف ، فإنها غالبا ما تميل إلى الاستغراب والفتور الآني، کما تشکل ايضاً اشکال البيئات الالکترونية الذکية البسيطة وذات الاشکال المحبوبة لدى فئة المستخدمين وخاصة في الألعاب التعليمية؛ دورا هاماً في هذا المستوى يمکن أن يجعل المتعلمين لا يقومون بتقييم الاستخدام وجودة اللعبة لمجرد الاندهاش والإعجاب بالناحية الجمالية والشکلية للشخصيات الإنسانية داخلها.

بينما يشير التصميم العاطفي السلوکي Behavioral إلى قابلية استخدام التصميم وتقييمنا لمدى أدائه للوظائف المطلوبة ومدى سهولة تعلمنا کيفية استخدامه، وفي هذه المرحلة، سنکون قد شکلنا رأيًا أکثر تبريرًا لهذا البند. ولذا فإن هذا المستوى؛ يُقصد به عملية تتم بشکل واعٍ تماماً، ولکن غالبا ما يعود لحکما الاولي، ويعتبر أحد المستويات المسؤولة أکثر عن القرارات التي نتخذها يومياً.

ويتعلق هذا المستوى السلوکي کثيراً بسهولة الدخول على البيئة التعليمية من خلال واجهة المستخدم، حيث يلاحظ المتعة التي يشعر بها المستخدم بمجرد دخوله على واجهة هذه البيئة، خاصة عندما يشعر بالتحکّم في کل عناصر البيئة الافتراضية، وإتقان استخدامه منذ البداية إلى النهاية، مما يجعله يميل إلى أن يرتبط معها عاطفياً أولا؛ ثم معرفيا بعناصرها. ولذا فإن في الکثير من المرات؛ الحکم في المرحلة الثانية ، لا يستند کما يظن الکثيرين، على جودة المحتوى التعليمي وما يحمله من خبرات أفضل العناصر، بل في الحقيقية على الطريقة التي تظهر بها هذه البيئة التعليمية في المرحلة الاولى، والتي غالبا ما تضمن للمستخدم خبرة مرنة وسلسة، دون أية مشتتات، وهذا يؤثر على المستخدم بالإيجاب في ملاحظته التي يکوّنها عن هذه البيئة التعليمية وهو مستوى اللاوعي، ولذا يلاحظ ان المستوى السلوکي للمستخدم لا يتعلق بسهولة الاستخدام فقط، بل أيضاً بمتعة إنجاز مَهمة من البداية إلى النهاية دون صعوبات اثناء تجوله داخل هذه البيئة التعليمية.

أخيرًا، تهتم المرحلة الاخيرة بالتصميم العاطفي الانعکاسي reflectiveحيث يعتمد على قدرتنا على إبراز تأثير التصميم ومحتواه على حياتنا بعد التعامل معه،على سبيل المثال، کيف يجعلنا نشعر عندما لا نلجأ اليه ونذهب لغيره لتلقي معلوماتنا، أو ما هي القيم التي نجد أنفسنا نعلقها على نتاج هذا البيئات بأثر رجعي، وهنا هو المکان الذي يريد المصممون تعظيم رغبة المستخدمين في امتلاکه لهذا العنصر، ولذا فإن أحد العناصر التي تعترض رغبة المتعلم في التعلم من تصميم محدد هو العنصر الجمالي، وفي أغلب الأحيان يکون القرار النهائي للاستمرار في هذا المحتوى التعليمي معتمد على المستوى الاول، ثم بالتتابع مع المستويين التاليين بدرجة اقل، لا باعتبار أن هذا المحتوى مهم للمتعلم أم لا، لکن بالأحرى على الطريقة التي يتم بها تقديم هذا التصميم للمتعلمين (Donald A. Norman,2004)، وعلى شکل وسلوک الوکيل الذکي.

ولذا يعد المستوى الأخير من مستويات التصميم العاطفي الذي وصفه دونالد نورمان"  Donald A. Norman انعکاس لمفهوم الأنا العليا، باعتبارها جزء من دماغنا لا يتحکّم بأي شيء مما نقوم به، ولکن في نفس الوقت يراقب کل شيء. ولذا تؤثر الأنا العليا مثلاً على الرؤية التي نکوّنها عن أنفسنا حتى أمام الآخرين. وهنا تدخل فکرة الحالة، وهي أن تتم رؤيتک بشکل جيد مرموق من قبل المجتمع، وعندما نتخيل الأسلوب الذي يتم النظر إلينا من خلاله من قبل أناس آخرين، مما يجعلنا نميل إلى التعامل مع البيئات الالکترونية المشهورة والتي يمکن ان نتحدث عنها مع الاخرين، فيعلمون عنا ما نتمناه. کما يؤکد أهمية التصميم العاطفي.

إن المستويات الثلاثة سالفة الذکر والتي تحقق الروابط مع البيئة التعليمية تحتاج إلى المحافظة بشکل دائم على العلاقة العاطفية الجيدة مع المتعلمين المترددين على هذه البيئة باعتباره وسط افتراضي مرئي، ولذا فإن تجاهل العامل البصري العاطفي لهذه البيئات الافتراضية قد يُبعد المتعلمين، سواء کانوا جدد أو قدامى، بل وحديثاَ ظهر العامل اللمسي وحمل معه العناصر الذکية الحساسة للمس، خاصة أن الناس بطبيعتهم أکثر انتباهاً إلى التفاصيل الجمالية المرئية والمحسوسة، بل وفي ظل التکنولوجيات الحديثة وبزوغ تکنولوجيا الاستنساخ البصري اللمسي Haptic Optical Technology (HPT) ، اصبح التفاعل مع هذه البيئات الافتراضية ثلاثية الابعاد خارج حدود الشاشة ثنائية الابعاد؛ امراً سهلا على المستفيدين، حيث يمکن استبدال أجزاء من بيئة لأخرى واستبدال شخصيات افتراضية ترضيهم عاطفياً -حتى لو کان المحتوى التعليمي جيد ومصمم بعناصر مناسبة- بعناصر من بيئات اخرى، بحيث تلبي العناصر الجديدة احتياجاتهم العاطفية.

عناصر نجاح التصميم العاطفي للبيئات الافتراضية الذکية:

-       الديمومة :

تعني توفير العناصر والخدمات داخل هذه البيئة والتي تتحمل الوقت والظروف في العالم الحقيقي في بعض الحالات؛ بحيث تصبح البيئة الافتراضية أکثر قيمة للمتعلم مع مرور الوقت، فيظل يتواجد بداخلها باستمرار، بل ويوظفها في مواقف أخرى، مما يجعله يشعر بالنفعية من وجود هذه العناصر والخدمات داخلها.

-       الموثوقية:

هي العناصر والخدمات المتوفرة والتي تعمل دائما بنفس الکفاءة کما متوقع منها اثناء التوغل داخل البيئة الافتراضية، بل تلبي طلبات المتعلم مهما صعب تحقيقها، وذلک من خلال دعمها لمتطلبات المتعلم من خلال أنظمة التسجيل الذکية.

-       سهولة الاستخدام:

بداية من واجهات المستخدم التي تسعى لإرضاء المستخدم، يجب أن تتاح له کثير من الفرص الحصول على الخيارات والبدائل التعليمية المختلفة في الوقت الذي يناسبه، کما يجب أن تقدم له البدائل والخيارات لکل ما يحتاجه من محتوى وأنشطة وأساليب تقويم بطرق سهله وميسره.

-       القابلية للاستمرار والتطور:

يجب أن تحمل هذه البيئات العناصر القابلة للإصلاح أو التطوير والتوائم مع الجديد في المجال، بحيث تتابع کل ما يطرأ من ترقيات وتحديثات.

-       الموديل model :

ما تحمله البيئة الافتراضية من تطوراتومدى الاستجابة داخلها لکثير من اهتمامات المتعلم کاشتمالها على التفاعل مع حاسة اللمس علاوة على السمع والبصر، قد يکون محل تقدير ورغبة من المتعلم في التعامل مع هذه البيئة.

-       التفاعلية : Interactivity : 

تعنى قدرة التصميم على اضافة عامل التفاعلية وفق عواطف المتعلم، بحيث توفر له الفعل ورد الفعل عن طريق اختيار المتعلم لأسلوب السير المناسب لخطوه، وکذلک أنماط الإبحار والتفاعل والتدريب والتواصل والتغذية الراجعة واستقبال المعلومات والتفاعل معها من خلال کما يتمناه عاطفياً في خياله.

-       التنوع " Diversity ":

يجب أن توفر البيئات الذکية عاطفياً کثير من المثيرات التي تناسب أکبر فئة من المتعلمين وفق عواطفهم ورغباتهم، کما تتيح لهم مجموعة من البدائل والخيارات التعليمية منها ما هو مسموع ومرئي وملموس، مما يزيد من رغبتهم للاستمرار داخل هذه البيئة.

-       التکاملية "Integrality ": 

تتعدد مکونات البيئة الافتراضية في الوقت الواحد بأکثر من مثير (بصري – سمعي – لمسي) مما يتيح للمتعلم التنوع وفق رغباته ويزيد من حبه وعاطفته نحو استخدام هذه البيئة (Donald A. Norman (2004 .

المـــراجـــع:

  • ·        خالد محمد فرجون (2019). نموذج مقترح للتصميم العاطفي للبيئات التعليمية الافتراضية،للمؤتمر السنوي السابع والعشرين (الدولي السادس) في 24-25 يوليو 2019 - توجهات مستقبلية في المناهج والتدريس.
    • Donald A. Norman (2004). Emotional Design. A Member of the Persuse Books Group, New York.
    • Hayes-Roth, B., & Doyle, P. (1998). Animate characters. Autonomous Agents and Multi-Agent Systems, 1(2), 195–230.
    • Hidi, S., & Renninger, K. A. (2006). The four-phase model of interest development. Educational Psychologist, 41(2), 111–127.
    • Lewin, K. (1946). Behavior and development as a function of the total situation. In : Lewis, M. D. (1995). Cognition-emotion feedback and the self-organization of developmental paths. Human Development, 38, 71–102.
    • Moreno, R. (2007). Optimizing learning from animations by minimizing cognitive load: Cognitive and affective consequences of signaling and segmentation methods. Applied Cognitive Psychology, 21(6), 765–781.
    • Moreno, R.(2006) . Does the modality principle hold for different media? A test of the method-affects-learningHypothesis, Journal compilation & 2006 Blackwell Publishing Ltd Journal of Computer Assisted Learning 22, 149–158
    • Sloman, A 1981, "Why Robots Will Have Emotions" in Proceedings International Joint Conferences on Artificial Intelligence, Vancouver, University of Sussex,UK.
    • Tan, Ed S. (1996): Emotion and the Structure of Narrative Film. Films as an Emotion Machine, Mahwah, NJ: Lawrence Erlbaum Associates, p.46.
    • Tucker, D. M. (2007). Mind from body: Experience from neural structure. New York, NY: Oxford University Press.

 

 

 

 

 

  • ·        خالد محمد فرجون (2019). نموذج مقترح للتصميم العاطفي للبيئات التعليمية الافتراضية،للمؤتمر السنوي السابع والعشرين (الدولي السادس) في 24-25 يوليو 2019 - توجهات مستقبلية في المناهج والتدريس.
    • Donald A. Norman (2004). Emotional Design. A Member of the Persuse Books Group, New York.
    • Hayes-Roth, B., & Doyle, P. (1998). Animate characters. Autonomous Agents and Multi-Agent Systems, 1(2), 195–230.
    • Hidi, S., & Renninger, K. A. (2006). The four-phase model of interest development. Educational Psychologist, 41(2), 111–127.
    • Lewin, K. (1946). Behavior and development as a function of the total situation. In : Lewis, M. D. (1995). Cognition-emotion feedback and the self-organization of developmental paths. Human Development, 38, 71–102.
    • Moreno, R. (2007). Optimizing learning from animations by minimizing cognitive load: Cognitive and affective consequences of signaling and segmentation methods. Applied Cognitive Psychology, 21(6), 765–781.
    • Moreno, R.(2006) . Does the modality principle hold for different media? A test of the method-affects-learningHypothesis, Journal compilation & 2006 Blackwell Publishing Ltd Journal of Computer Assisted Learning 22, 149–158
    • Sloman, A 1981, "Why Robots Will Have Emotions" in Proceedings International Joint Conferences on Artificial Intelligence, Vancouver, University of Sussex,UK.
    • Tan, Ed S. (1996): Emotion and the Structure of Narrative Film. Films as an Emotion Machine, Mahwah, NJ: Lawrence Erlbaum Associates, p.46.
    • Tucker, D. M. (2007). Mind from body: Experience from neural structure. New York, NY: Oxford University Press.