نوع المستند : أوراق بحثية محکمة.
المؤلف
أستاذ أصول التربية الإسلامية وعميد کلية التربية ، ومدير جامعة الباحة المکلف سابقاً
مقدمه
الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام وجعلنا خير أمة أخرجت للناس کما جاء في قوله تعالى: ) کنتم خير أمة أخرجت للناس ) آل عمران : 110( وصلى وسلم على نبينا محمد ، الذي رسم لنا منهج الحماية ، فقال صلى الله عليه وسلم ( کلکم راع وکلکم مسؤول عن رعيته .
ومن هنا يجب على الأسرة المسلمة أن تعي أننا أمام جيل يختلف تماماً عن الأجيال السابقة ؛ بقيمه ومفاهيمه واتجاهاته ؛ جيل يعيش في عصر الانفتاح التکنولوجي ( الفضائيات، الأنترنت، الجوال ) ، فأصدق ما يوصف به الجيل الحالي – أنه جيل " الدجيتال وعصر الرقمنه " ومن خلال الملاحظات والمشاهدات للسلوکيات العامة التى أصبحت خصوصية لشباب الجيل الحالى ، أصبح لزاماً علينا – کتربويين – أن نعطى أولوية لهذا المسألة ونبحث حلولها ومقترحات التوعية والتوجيه والإرشاد . ومن هنا جاءت فکرة الورقة الحالية لتجيب على التساؤل التالي : ما الأساليب التربوية المناسبة لحماية هوية الأسرة المسلمة من الأثار السلبية للمستحدثات التکنولوجية ؟
تعريف المصطلحات:
الأساليب التربوية : تعرف على أنها " مجموعة من الطرق التربوية التي تهدف إلى تعديل السموک وتنمية القيم " ( أنور أحمد ،2004) ، ويعرفها الباحث إجرائياً بأنها مجموعة الممارسات التربوية التي تتم داخل الأسرة.
الهوية : في المنطق تعني الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق ( الجرجانى ، 1403، ص 257 ) (. وفي المعجم الوسيط تعني : حَقِيقَة الشَّيْء أَو الشَّخْص التي تميزه عَن غَيره وبطاقة يثبت فيها اسْم الشَّخْص وجنسيته ومولده ( إبراهيم مصطفى وآخرون ، 1989 ) . ويعرفها الباحث : بأنها تلک الخصائص والسمات التي تحدد طبيعة الفرد، وتنبئ عن فکره وثقافته وإتجاهه .
الأسرة المسلمة : عرفها المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط في 24/ 12/ 1971 بأنها " أساس المجتمع في الإسلام وقد وضع لها الدعائم القوية لبناء الأسرة وتنظيميا حتى تکون قوية تسعى لغاية نبيلة ، ومقصد سام شريف في بناء مجتمع متکامل، إذ هى الخلية الأولى " ص 128.
ويعرفها الزهرانى – بأنها " تلک الرابطة التي تجمع بين مجموعة من الناس تشترک جميعا في تحقيق هدفها وفق المنهج القويم الذي يضمن السعادة في الدنيا والأخرة" ص27.
الأثار السلبية: الأثار :في اللغة کما جاء في معجم المعاني الجامع: الأثار جمع أثر والأثر : العلامة کما يقال ما ازل أثر الجرح باقيا أي علامته.
ويعرفها الباحث : بأنها التشوهات السلوکية والأخلاقية والثقافية التي تظهر عند الأبناء نتيجة استخدامهم لبعض الممارسات والتطبيقات التکنولوجية بدون وعي.
المستحدثات التکنولوجية : عرفها (فانج زوا ،2006) في: ( سمير حسن ،2013)- بأنها : " تتضمن المنتجات أو العمليات أو الخدمات الجديدة أو الاستخدامات الجديدة لمنتجات أو عمليات أو خدمات موجودة من قبل، وکذلک الأشکال الجديدة للمنظمة أو الأسواق الجديدة وتنمية مهارات الجدية وأرس المال البشري" ص13.
ويعرفيا الباحث بأنها : بعض السلوکيات أو الممارسات أو التطبيقات المرتبطة بالتکنولوجيا الحديثة ، والتى تکون لها إنعکاسات سلبية على الجانب الثقافى أو الأخلاقى أو المهنى ؛ أو تقلل من الوازع الدينى لدى الشباب ، أو تضيع کثير من وقتهم على حساب الجوانب الدينية والأخلاقية والتنشئة الصحيحة.
المستحدثات التکنولوجية في حياتنا:
يشير بيل جيتس ( 1998) بأن التکنولوجية أصبحت أحد العناصر الأساسية التى لا يمکن الإستغناء عنها ؛ وبخاصة ما يرتبط بالتواصل الإجتماعى بين الناس ، فهى أصبحت جزء من حياتنا . ويستمر التقدم التکنولوجى الرهيب الذى تضمن صناعة البرمجيات والنظم الذکية وأنظمة المراقبة والتفاعل عن بعد ، والألعاب الافتراضية ليعزز الدور التکنولوجى کمنظم شبه أساسى للجوانب الإدارية والخدمية للحياة ( صالح شاکر ، 2017) . وهنا يؤکد السيد محمود (2009، ص173) بأن الإفراط في إستخدام التکنولوجيا وبعض تطبيقاتها قد يکون أمراً مضراً يستدعى المراجعة والتحليل . ويشير (نبيل عزمي ،1994) إلى أن التکنولوجيا لا يمکن أن تدعي البراءة بمنأى عن نظام القيم الذي يکتنف ظروف نشأتها ويفرض قيودا على تطبيقاتها ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فنظام القيم لابد وأن يتغير ويتحور تجاوباً مع المتغيرات الاجتماعية التي يحدثها المتغير التکنولوجي " ص246.
ومن هنا أصبحت الأمور في حاجة الى الاهتمام والوعى والدراسة ، فالتکنولوجيا کنظم وممارسات وتطبيقات أصبحت جزء أساسى في الحياة ، کذلک ارتبطت في بعض أمورها بمتغيرات وعوامل دخيلة على الأنماط السلوکية للأسرة المسلمة ، التى نشأت على التعاون والتفاعل المباشر والترابط القوى ، وهذا الجانب بالذات قد تأثر کثيراً بأدوات وآليات التواصل التقنى والإجتماعى ، وهذا ما يؤکد هدف تلک الدراسة وسعيها نحو تبنى منهج اعتدالي يحقق هذا الغرض .
الأسرة المسلمة في ظل المستحدثات التکنولوجية:
قد لا يوجد بيت في مدينة أو حاضرة أو قرية صغيرة حتى البوادي والهجر کان للمستحدثات التکنولوجية نصيب منها ، ذلک النصيب الذي يحمل في طياته الخير والشر، وکما قال القائل علينا أن نقبلها بحلوها ومرها ، ولکن في نفس الوقت لا ننکر أن لها بعض الآثار السلبية وخاصة على الارتباط الأسرى وبر الوالدين ، وربما أدى الإفراط فعلياً في استخدام تقنيات التواصل الاجتماعي الى الحد من العلاقات الأسرية المباشرة ، ليحل محلها التواصل غير المباشر ، الذى لا يتضمن الجدية والتفاعل والشعور العاطفي الحقيقي ، أسوة بالتفاعلات والعلاقات المباشرة ، وربما تکون تلک النقطة بالذات من أهم الأمور التى يجب بحثها وأخذها في الاعتبار ، نظراً لأن مجتمعاتنا الإسلامية نشأت على العلاقات والجوانب الاجتماعية القائمة على التعاون فيما بينها ، عکس معظم الدول الاوربية التى يحکم حياتهم ميثاق من الخصوصية والانعزالية بشکل نفعى بالدرجة الاولى .
الآثار السلبية للاستخدام المفرط لبعض المستحدثات التکنولوجية
المولى سبحانه وتعالى لم يخلق شراً محض ، ولا خيراً محض ، لذا نرى الشر والخير في الأمر الواحد، وهذا لا يعني ترک الخير لبعض الشر، ولکن لابد من التنبوء عن الأثار السلبية حتى يمکن لنا أن ندرک خطرها ومدى تأثيرها على الأسرة المسلمة ، ويمکن أن نجمل الآثار السلبية للمستحدثات التکنولوجية في الآتي ( عوفى مصطفى ، وبن بعطوش ،2016، ص464 )
1. تغير الموقف أو الاتجاه : حيث يتغير الموقف أو الاتجاه من حالة المودة إلى حالة العداء ، ومن حالة الإستهجان إلى القبول أو التقدير.
2. التغيير المعرفي: يکون أکبر تأثيراً من تغيير الاتجاه، حيث يغير طبيعة إدراک الأشخاص للحياة من حولهم ، وقـد يطرح أساليب مختلفة للنجاح ،قد لا تتفق مع الواقع والمفاهيم السائدة .
3. التنشئة الاجتماعية : حيث تسعى جميع رسائل المستحدثات التکنولوجية إلى إزالة قيمة وتثبيت أخرى، أو ترسيخ وضع قائم ومنع آخر، ويحدث ذلک من خلال ما يطرح من نماذج قد تتعارض مع متطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصـادية التـي تسعى الأسرة لجعل الأولاد يتکيفون للمطالب والأحکام التي تضبط أساليب تحقيق الاحتياجات .
5. الضبط الاجتماعي : يحدث ذلک من خلال تشکيل رأى عام واتجاهات موحدة نحو موقف أو قيمة أو سلوک ، بحيث تصبح جزءا من ثقافة المجتمع التي تشکل مصدر ضوابطه .
التوصيات:
بعد هذا العرض السريع لأهم أساليب الحماية من الآثار السلبية لبعض المستحدثات التکنولوجية، فإن الباحث يوصي بما يلى :
1. تأسيس جهات علمية مرجعية ، تعتمد مراجعة ما يمکن أن يتم إستيراده من أنظمة وبرامج ، لبحث مدى توافقها مع ثقافة ومبادئ المجتمع ، وإصدار التوصيات بالاستخدامات والتطبيقات .
2. تطوير المقررات التى يدرسها الطلاب في المراحل الدراسية لتتضمن مزيد من التوعية والمخاطر بالتطبيقات التکنولوجية المستخدمة .
3. متابعة الجديد دائماً من مستحدثات تکنولوجية ومتابعة سلوک الشباب بشکل دائم ومستمر ، لاتخاذ الضوابط والمعايير التى تحکم السلوکيات والممارسات التکنولوجية .
4. تطوير دور الإدارة المدرسية ، والإشراف التربوي ، والإرشاد النفسي والتوعوى بالمؤسسات التعليمية لتستوعب جميعها التغيرات السلوکية المتوقعة نتيجة انتشار وشيوع المستحدثات التکنولوجية ، التى قد تحدث أنماطاً سلوکية غير مرغوب فيها أو غريبة على مجتمعاتنا وثقافتنا الإسلامية
5. العمل على تشجيع البرامج والنظم التکنولوجية للمصممين العرب والمسلمين الذين يراعون الأبعاد الدينية والقيم الأصيلة في تربية الشباب ، کجزء لا يتجزأ من عمليات التصميم والبرمجة نفسها ‘ واعتبارها هدف مهم في حد ذاته .
6. أن يهتم الکتاب والمؤلفين بتحديد أوجه الآثار والإنعکاسات السلبية لبعض الممارسات والتطبيقات التکنولوجية التى قد تصل لحد الإفراط لدى الشباب.
9. تبنى الجامعات إعداد دبلوم متخصص فى الرعاية الأسرية وتضمينه مادة عن أساليب الحماية الأسرية من الآثار السلبية للمستحدثات التکنولوجية.
10. الاستفادة من منبر الجمعة من خلال تناول الخطباء لهذا الموضوع بين وقت وآخر، من أجل نشر الوعي بأهمية حماية الأسرة من الآثار السلبية للمستحدثات التکنولوجية.
المراجع:
4. أحمد أحمد بکر قنبطة ،1432هـ ،الآثار السلبية لاستخدام الإنترنت، رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الإسلامية، غزة.
6. سمير حسن محمد حسن، 2013، فاعلية برنامج قائم على استخدام الشبکة العالمية في تنمية مهارات توظيف المستحدثات التکنولوجية والحل الابتکاري للمشکلات لدى معلمي المدارس الذکية في ضوء معايير الجودة، رسالة ماجستير غير منشورة ،جامعة القاهرة.
7. السيد ،محمود على ،2009، الإفراط في استخدام الإنترنت وبعض متغيرات الشخصية لدى طلاب الجامعة ( المصريين والسعوديين)، دراسات عربية في التربية وعلم النفس ، المجلد 3، العدد، 2، ص ص 173-219.
9. صالج ، أحمد شاکر ( 2017) تکنولوجيا الواقع الافتراضي ، البرامج والتطبيقات - المنصورة ، جامعة المنصورة ، کلية التربية النوعية .
10. عبد الله محمد على الزهرانى ،1432هـ ،المسؤولية التربوية للأسرة المسلمة في مواجهة التحديات المعاصرة، دار الصميصي لمنشر والتوزيع، الرياض.
15. ونمط الحياة الاجتماعية للأسرة الحضارية الجزائرية : أي علاقة؟ ،جامعة باتنة ،الجزائر ، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية ، العدد 26، ص ص 457-467.